فصل: سنة أربعٍ وأربعين وخمس مئة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العبر في خبر من غبر (نسخة منقحة)



.سنة اثنتين وأربعين وخمس مئة:

فيها غزا نور الدين محمود بن زنكي فافتتح ثلاثة حصون للفرنج بأعمال حلب.
وفيها كان الغلاء المفرط بل وقبلها سنوات بأفريقية حتى أكلوا لحوم الآدمييّن.
وفيها توفي أبو الحسن بن الآبنوسي أحمد بن أبي محمد عبد الله بن علي البغداديّ الشافعيّ الوكيل. سمع أبا القاسم بن البسرى وطبقته. وتفقّه وبرع، قرأ الكلام والاعتزال. ثم لطف الله به وتحوّل سنيّاً. توفي في ذي الحجة عن بضع وسبعين سنة.
والبطروجي أبو جعفر بن عبد الرحمن الأندلسي أحد الأئمّة.
روى عن أبي عبد الله الطلاعي وأبي على الغسّاني وطبقتهما. وكان إماماً حافلاً بصيراً بمذهب مالك. ودقائقه، إماماً في الحديث ومعرفة رجاله وعلله. له مصنفاتٌ مشهورةٌ. ولم يكن في وقته بالأندلس مثله. ولكنّه كان قليل العربية، رثَّ الهيئة، خاملاً. توفي في المحرم.
وأبو بكر الأشقر أحمد بن علي بن عبد الواحد الدلال. روى عن أبي الحسين بن المهتدي بالله، والصريفيني. وكان خيّراً صحيح السماع. توفي في صفر.
ودعوان بن عليّ أبو محمد، مقرئ بغداد بعد سبط الخيّاط. قرأ القراءات على ابن سوار، وعبد القاهر العبّاسي. وسمع من رزق الله وطائفة.
توفي في ذي القعدة.
وعلي بن عبد السيِّد، أبو القاسم ابن العلاّمة أبي نصر بن الصبّاغ الشاهد. سمع من الصريفيني كتاب السبعة لابن مجاهد، وعدة أجزاء. وكان صالحاً حسن الطريقة. توفي في جمادي الأولى.
وعمر بن ظفر، أبو حفص المغازليّ، مفيد بغداد. سمع أبا القاسم بن البسري فمن بعده. وأقرأ القرآن مدّةً، وكتب الكثير. توفي في شعبان.
وأبو عبد الله الجلاّبي القاضي محمد بن علي بن محمد بن الطيّب الواسطي المغازلّي. سمع من محمد بن محمد بن محمد بن مخلد الأزدي، والحسن بن أحمد الغندجاني وطائفة. وأجاز له أبو غالب بن بشران اللغوي وطبقته. وكان ينوب في الحكم بواسط.
وأبو الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القويّ المصيّصي ثم الّلاذقي ثم الدمشقيّ، الفقيه الشافعيُّ الأصوليًُّ الأشعريّ. سمع من أبي بكر الخطيب بصور وتفقّه على الفقيه نصرٍ المقدسي، وسمع ببغداد من رزق الله وعاصم، وبإصبهان من ابن شكرويه. ودرّس بالغزاليّة. ووقف وقوفاً، وأفتى واشتغل، وصار شيخ دمشق في وقته. توفي في ربيع الأوّل وله أربع وتسعون سنة. وآخر أصحابه ابن أبي لقمة.
وأبو السعادات بن الشَّجريّ هبة الله بن عليّ العلويّ البغداديّ النحوي، صاحب التصانيف. توفي في رمضان وله اثنتان وتسعون سنة. وقد سمع في الكهولة من أبي الحسين بن الطيوري وغيره.

.سنة ثلاث وأربعين وخمس مئة:

في ربيع الأوّل نازلت الفرنج دمشق في عشرة آلاف فارس وستين ألف راجل. فخرج المسلمون من دمشق للمصاف فكانوا مئة وثلاثين ألف راجل، وعسكر البلد. فاستشهد نحو المائتين. ثم بروزا في اليوم الثاني فاستشهد جماعةٌ، وقتل من الفرنج عدد كثيرٌ. فلما كان أهل دمشق في الاستغاثة والتضرّع إلى الله. وأخرجوا المصحف العثماني إلى صحن الجامع. وضجّ النساء والأطفال مكشفي الرؤوس، وصدقوا الافتقار إلى الله فأغاثهم، وركب قسّيس الفرنج وفي عنقه صليبٌ وفي يده صليب وقال: أنا قد وعدني المسيح أن آخذ دمشق. فاجتمعوا حوله، وحمل على البلد. فحمل عليه المسلمون فقتلوه وقتلوا حماره، وأحرقوا الصلبان. ووصلت النجدة فانهزمت الفرنج وأصيب منهم خلقٌ. وسبب هزيمتهم أّن مقدّم الجيش معين الدين أنر أرسل يقول للفرنج الغرباء: إنّ صاحب الشرق قد حضر، فإن رحلتم وإلا سلمت دمشق إليه، وحينئذ تندمون. وأرسل إلى فرنج الشام يقول: بأيّ عقل تساعدون هؤلاء الغرباء علينا وأنتم تعلمون أّنهم إن ملكوا أخذوا بلادكم، وأنا إن ملكت سلّمت البلد إلى أولاد زنكي فلا يبقى لكم معه ملك. فأجابوه إلى التخلَّي عن ملك الألمان وبذل لهم حصن بانياس فاجتمعوا بملك الألمان وخوفوه من عساكر الشرق. فترحّل في البحر من عكّا وبلاده وراء القسطنطينيّة.
وفيها سارت بعض العساكر محاربين منابذين للسلطان مسعود، ومعهم محمد شاه ابن السلطان محمود، ونازلوا بغداد، وعاثوا ونهبوا وسبوا البنات. فعسكر المقتفي وقاتلت العامة، وبقي الحصار أيّاماً. ثم برز الناس بالعدّة التامة فتقهقر لهم العسكر فتبعوهم. فخرج كمين للعسكر فانهزمت العامة، وقتل منهم يومئذ نحو الخمس مئة. ثم تلافت الأمراء القضية ورموا نفوسهم تحت التاج، واعتذروا فلم يجابوا إلى ثاني يوم. وترحّلوا. وأما السواد فخرب ودخل أهله في جوع وعرى يستعطفون.
وفيها كان شدة القحط بافريقية. فانتهز رجار صاحب صقلية الفرصة وأقبل في مئتين وخمسين مركباً. فهرب منه صاحب المهديّة فأخذها الملعون بلا ضربة ولا طعنة، وانتهبها ساعتين، وأمّنهم. وصار للفرنج من أطرابلس المغرب إلى قريب تونس. وأما صاحبها الحسن بن علي بن يحيى بن تميم الباديسي فإنه عزم على الالتجاء إلى عبد المؤمن. والحسن هو التاسع من ملوك بني زيري بالقيروان.
وفيها توفي أبو تمام أحمد بن أبي العزّ محمد بن المختار بن المؤيد بالله الهاشميّ العباسيّ البغداديّ السفّار نزيل خراسان. سمع أبا جعفر بن المسلمة وغيره. وتوفي في ذي القعدة بنيسابور عن بضعٍ وتسعين سنة.
وأبو إسحاق الغنوي إبراهيم بن محمد بن نبهان الرقّي، الصوفي الفقيه الشافعي. سمع رزق الله التميمي، وتفقّه على الغزّالي وغيره. وكان ذا سمتٍ ووقارٍ وعبادةٍ، وهو راوي خطب ابن نباتة. توفي في ذي الحجة عن خمس وثمانين سنة.
وقاضي العراق أبو الحسن الزينبي علي بن نور الهدى أبي طالب الحسين بن محمد بن علي العبّاسي الحنفي. سمع من أبيه وعمّه طراد. وكان ذا عقل ووقار ورزانةٍ وعلمٍ وشهامةٍ ورأي. أعرض عنه في الآخر المقتفي وجعل معه في القضاء ابن المرخّم، ثم مرض ومات يوم الأضحى.
والمبارك بن كامل الخفّاف أبو بكر الظفريّ، محدِّث بغداد ومفيدها. أخذ عمّن دبَّ ودرج، وأفنى عمره في هذا الشأن، فلم يمهر فيه. سمع أبا القاسم بن بيان وطبقته، وعاش ثلاثاً وخمسين سنة. وكان فقيراً متعفّفاً.
وأبو الدرّ ياقوت الرومي التاجر، عتيق ابن البخاري، حدّث بدمشق ومصر وبغداد عن الصريفيني بمجالس المخلّص وغير ذلك. وتوفي بدمشق في شعبان.
وأبو الحجاج الفندلاوي يوسف بن دوباس المغربي المالكي. كان فقيهاً عالماً صالحاً حلو المجالسة، شديد التعصُّب للأشعريّة، صاحب تحرُّق على الحنابلة. قتل في سبيل الله في حصار الفرنج لدمشق مقبلاً غير مدبر بالنيرب أوّل يوم جاءت الفرنج وقبره يزار بمقبرة باب الصغير.

.سنة أربعٍ وأربعين وخمس مئة:

فيها كسر الملك نور الدين الفرنج. وكانت وقعة ميمونة قتل فيها ألفٌ وخمس مئة من الفرنج منهم صاحب أنطاكية وأسر مثلهم. وسار فافتتح حصن فامية، وكان أهل حماة وحمص منه في ضرٍّ. ثم أسر جوسلين صاحب عين تاب وتل باشر وعزاز والبيرة وبهسنة والراوندان ومرعش. وأعطي نور الدين التركمانيَّ الذي أسره عشرة آلاف دينار واستولى على أكثر بلاده.
وفيها استوزر المقتفي عون الدين أبا المظفّر بن هبيره.
وفيها توفي القاضي أبو بكر الأرَّجاني أحمد بن الحسين ناصح الدين قاضي تستر وحامل لواء الشعر بالمشرق. وله ديوانٌ مشهور. روى عن ابن ماجه الأبهري. وتوفي في ربيع الأول وقد شاخ.
وأرّجان مشدّدٌ بلدٌ صغير في عمل الأهواز.
وأبو المحاسن أسعد بن عليّ بن الموفّق الهرويّ الحنفيّ، العبد الصالح، راوي الصحيح والدارمي، وعبد، عن الداودي. عاش خمساً وثمانين سنة.
وألأمير معين الدي أنر بن عبد الله الطغتكيني مقدّم عسكر دمشق ومدبِّر الدولة. كان عاقلاً سائساً مدبّراً حسن الديانة ظاهر الشجاعة كثير الصدقات. وهو مدفونٌ بقبّته التي بين دار البطّيخ والشاميّة. توفي في ربيع الآخر وله مدرسة بالبلد.
والحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بالله العبيدي الرافضيّ صاحب مصر. بويع مصرع ابن عمه الآمر.
فاستولى عليه أحمد بن الأفضل أمير الجيوش وضيّق عليه. وكان يعتريه القولنج فعمل له شيرماه الديلمي طبلاً مركّباً من المعادن السبعة إذا ضربه ذو القولنج خرج منه ريحٌ متتابعة واستراح. مات في جمادي الأولى. وكانت دولته عشرين سنة إلاّ خمسة أشهر. وقام بعده ابنه الظافر.
والقاضي عياض بن موسى بن عياض، العلامة أبو الفضل اليحصبي السَّبتي المالكيّ أحد الأعلام. ولد سنة ست وسبعين وأربع مئة وأجاز له أبو عليّ الغساني، وسمع من أبي علي بن سكّراة، وأبي محمد بن عتاب وطبقتهما. ولي قضاء سبتة مدّةً، ثم قضاء غرناطة، وصنّف التصانيف البديعة. توفي بمراكش في جمادي الآخرة.
وغازي السلطان سيف الدين صاحب الموصل، وابن احبها زنكي ابن آقسنقر. كان فيه دينٌ وخيرٌ وشجاعة وإقدام. توفي في جمادي الآخرة، وقد نيّف على الأربعين. وتملّك بعده أخوه قطب الدين مودود.

.سنة خمس وأربعين وخمس مئة:

فيها أخذت العربان ركب العراق، وراح للخاتون أخت السلطان مسعود ما قيمته مئة ألف دينار. وتمزّق الناس، ومات خلقٌ جوعاً وعطشاً.
وفيها نازل نور الدين دمشق وضايقها. ثم خرج إليه صاحبها مجير الدين أبق ووزيره ابن الصوفيّ فخلع عليهما. وردَّ إلى حلب ونفوس الناس قد أحبته لما رأوا من دينه.
وفيها توفي الرئيس أبو علي الحسن بن علي الشحّامي النيسابوريّ. روى عن الفضل بن المحب وجماعة. توفي بمرو في شعبان.
وأبو بكر محمد بن عبد العزيز بن علي الدِّينوريّ ثم البغدادي البيّع.
سمع أبا نصر الزينبيّ، وعاصم بن الحسن وجماعة. وتوفي في المحرّم وله سبعون سنة.
والمبارك بن أحمد بن بركة الكندي البغدادي الخبّاز، شيخٌ فقيرٌ يخبز بيده ويبيعه. سمع أبا نصرٍ الزينبي، وعاصم بن الحسن وطائفة. توفي في شوال.

.سنة ست وأربعين وخمس مئة:

فيها توفي أبو النصر الفامي عبد الرحمان بن عبد الجبّار الحافظ محدث هراة، وله أربعٌ وسبعون سنة. كان خيّراً متواضعاً صالحاً فاضلاً، سمع شيخ الإسلام ونجيب بن ميمون وطبقتهما.
وعمر بن علي أبو سعد المحموديّ البلخي. توفي في رمضان عن تسعين سنة. سمع أبا عليّ الوحشي، وهو آخر من حدّث عنه.
والقاضي أبو بكر بن العربي محمد بن عبد الله بن محمد الإشبيلي المالكي الحافظ، أحد الأعلام، وعالم أهل الأندلس ومسندهم. ولد سنة ثمان وستين وأربع مئة، ورحل مع أبيه سنة خمس وثمانين، ودخل الشام فسمع من الفقيه نصر المقدسي وأبي الفضل بن الفرات، وببغداد من أبي طلحة النِّعالي وطراد، وبمصر من الخلعي، وتفقه على الغزّالي وأبي بكر الشاشي وأبي الوليد الطرطوشي.
وكان من أهل التفنّن في العلوم والاستبحار فيها، مع الذكاء المفرط. ولي قضاء أشبيلية مدةً، وصرف فأقبل على نشر العلم وتصنيفه في التفسير والحديث والفقه والأصول. توفي بفاس في ربيع الآخر.
وتوشتكين الرضوانيّ مولى ابن رضوان المراتبي. شيخٌ صالح متودّدٌ. روى عن علي بن البسري وعاصم، وتوفي في ذي القعدة عن اثنتين وثمانين سنة.
وأبو الأسعد هبة الرحمان بن عبد الواحد بن الشيخ أبي القاسم القشيريّ النيسابوري، خطيب نيسابور ومسندها. سمع من جدّه حضوراً ومن جدّته فاطمة بنت الدقّاق، ويعقوب بن أحمد الصيرفي وطائفة. وروى الكتب الكبار كالبخاري ومسند أبي عوانة، ومات في شوال عن سبع وثمانين سنة.
وأبو الوليد بن الدبّاغ يوسف بن عبد العزيز اللخمي الأندي ثم الدش المرسي الحافظ تلميذ أبي علي بن سكّرة. كان إماماً مفتياً رأساً في الحديث وطرقه ورجاله. وعاش خمساً وستين سنة.
بسم الله الرحمن الرحيم.

.سنة سبعة وأربعين وخمس مئة:

فيها توفي أبو عبد الله بن غلام الفرس محمد بن الحسن بن محمد سعيد الداني المغربي الأستاذ. أخذ القراءات عن أبي داود، وابن الدش، وابن السيار، وأبي الحسن بن شفيع. وسمع من أبي علي الصدفي، وتصدر للإقراء مدة، ولتعليم العربية، وكان مشاركاً في علوم جمة، صاحب تحقيق وأتقان، أنيق الوراقة. ولي خطابة بلده ومات في المحرم عن خمسٍ وسبعين سنة.
والأرموي القاضي أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الفقيه الشافعي.ولد ببغداد سنة تسع وخمسين، وسمع أبا جعفر بن المسلمة، وابن المأمون، وابن المهتدي، ومحمد بن علي الخياط. وتفرد بالرواية عنهم.وكان ثقة صالحاً. تفقه على الشيخ أبي إسحاق. وانتهى إليه علو الاسناد بالعراق. توفي في رجب وقد ولي قضاء دير العاقول في شبيبته، وكان يشهد في الآخر.
ومحمد بن منصور الحرضي النيسابوري. شيخ صالح سمع القشيري ويعقوب الصيرفي والكبار. ومات في شعبان.
والسلطان مسعود غياث الدين أبو الفتح بن محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن طغر بيك السلجوقي.رباه بالموصل الأمير مودود،ثم اقسنقر البرسقي، ثم جوش بك. فلما هلك أخوه السلطان محمود طعمة جوش بك في السلطنة. فجمع وحشد، والتقى أخاه، فانكسر مسعود. ثم تنقلت به الأحوال واستقل بالملك سنة ثمان وعشرين. وامتدت أيامه،وكان منهمكاً في اللهو واللعب، كثير المزاح، لين العريكة.سعيداً في دنياه سامحه الله تعالى. عاش خمساً وأربعين سنة. ومات في جمادى الآخرة. وكان قد آذىالمقتفي في الآخر فقنت عليه شهراً فمات.

.سنة ثمان وأربعين وخمس مئة:

فيها خرجت الغز على أهل خراسان، وهم تركمان ما وراء النهر. فالتقاهم سنجر، فاستتباحوا عسكره قتلاً وأسراً. ثم هجموا بنيسابور فقتلوا فيها قتلاً زريعاً، ثم أخذوا بلخ، وأسروا السلطان سنجر، وقالوا:أنت سلطاننا، ونحن أجنادك. ولو أمنا إليك لمكناك من الأمور وبقي في أيديهم مدة، وأسماء مقدميهم: دينار، وبختيار، وطوطي، وأرسلان، وجعفر، ومحمود. وكانوا نحو مئة ألف خركاه. فلما مكت الخطا ما وراء النهر طردوا عنها هؤلاء الغز.فنزلوا بنواحي بلخ، ثم ثاروا وعملوا بخراسان مالا تعمله الكفار من القتل والسبي والخراب والمصادرة والعذاب، ولم يسلم سوى هراة. ولقد أحصي في محلتين من نيسابور خمسة عشر ألف قتيل. ثم تجمع عسكر خراسان فواقعوا الغز غير مرة في أكثرها كان النصر للغز. ثم استولى على نيسابور ورستاقها أيبه الملقب بالمؤيد مملوك السلطان سنجر وجرت أمور طويلة.
وفيها أخذت الفرنج عسقلان بعد عدة حصارات. وكان المصريون يمدونهم بالرجال والذخائر. وفي هذه المرة اختلف عساكرها وقتل منها جماعة. فاغتنم الفرنج غفلتهم، وركبوا الأسوار. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفيها سار المقتفي بجيشه إلى تكريت، ثم سار إلى واسط لدفع ملكشاه عنها.
وفيها استولى غياث الدين الغوري على هراة، وكانت لسنجر. وغزا أخوه شهاب الدين بلاد الهند، فهزموه. ثم غزاهم فظفر وافتتح بلاد واسعة ومملكة كبيرة.
وفيها توفي ابن الطلاية أبو العباس أحمد بن أبي غالب بن أحمد البغدادي، الوراق الزاهد العابد. سمع من عبد العزيز الأنماطي وغيره. وانفرد بالجزء التاسع من المخلصيات حتى أضيف إليه. وقد زاره السلطان مسعود في مسجده بالحربية وتشاغل عنه بالصلاة، وما زاده على أن قال: يا مسعود اعدل وادع لي. الله أكبر. وأحرم بالصلاة. فبكى السلطان وأبطل المكوس والضرائب وتاب. نقلها أبو المظفر سبط ابن الجوزي عن جماعة.
والرفاء أبو الحسين أحمد بن منير الاطرابلسي الشاعر المشهور. كان رافضياً هجاء فائق النظم. له ديوان. وكان معارضاً للقيسراني في زمانه كجرير والفرزدق في زمانهما.
ورجار الفرنجي صاحب صقليه. هلك في ذي القعدة بالخوانيق وامتدت أيامه.
وأبو الفرج عبد الخالق بن احمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغدادي محدث بغداد. كان خيراً متواضعاً متقناً مكثراً صاحب حديث وإفادة. روى عن أبي نصر الزينبي وعاصم بن الحسن وخلق. توفي في المحرم عن أربع وثمانين سنة.
والكروخي أبو الفتح عبد الملك بن عبد الله بن أبي سهل الهروي. الرجل الصالح راوي جامع الترمذي كان ورعاً ثقة، كتب من الجامع نسخة ووقفها. وكان يعيش من النسخ. حدث ببغداد ومكة. وعاش ستاً وثمانين سنة وتوفي في ذي الحجة.
وأبو الحسن البلخي علي بن الحسن الحنفي الواعظ الزاهد. درس بالصادرية، ثم جعلت له دار الأمير طرخان مدرسة، وقام عليه الحنابله لأنه تكلم فيهم. وكان يلقب برهان الدين. وكان زاهداً معرضاً عن الدنيا. وهو الذي قام في إبطال حي على خير العمل من حلب. وكان معظماً مفخماً في الدولة. درس أيضاً بمسجد خاتون. ومدرسته داخل الصدرية.
والملك العادل علي بن السلار الكردي ثم المصري وزير الظافر. أقبل من ولاية الاسكندرية إلى القاهرة ليأخذ الوزارة بالقهر فدخل فحكم ففر الوزير نجم الدين سليم بن مصال. وجمع العساكر وجاء فجهز ابن السلار جيشاًلحربه فالتقوا بدلاص. فقتل ابن مصال وطيف برأسه في سنة أربع وأربعين.
وكان ابن السلار سنياً شافعياً شجاعاً مقداماً. بنى للسلفي مدرسة معروفة لكه جبار ظالم شديد البأس صعب المراس. وكان زوج أم عباس بن باديس. فقتله نصر بن عباس هذا على فراشه بالقاهرة في المحرم وولي عباس الملك.
الأفضل محمد بن عبد الكريم المتكلم صاحب التصانيف. أخذ علم النظر والأصول عن أبي القاسم الأنصاري، وأبي نصر بن القشيري. ووعظ ببغداد، وظهر له القبول التام. وقد اتهم بمذهب الباطنية. توفي في شعبان، وله إحدى وثمانون سنة. روى عن أبي الحسن المديني.
وأبو طاهر السنجي محمدبن محمد بن عبد الله المروزي الحافظ خطيب مرو.تفقه على أبي المظفر السمعاني، وعبد الرحمان البزاز، وسمع من طائفة، ولقي ببغداد ثابت بن بندار وطبقته. ورحل مع أبي بكر بن السمعاني. وكان ذا معرفة وفهم مع الثقة والفضل والتعفف. توفي في شوال عن بضع وثمانين سنة.
وأبو الفتح محمد بن عبد الرحمن بن محمد الكشميهني المروزي الخطيب، شيخ الصوفية ببلده،وآخر من روى عن محمد بن أبي عمران كتاب البخاري. عاش ستاً وثمانين سنة.
وأبو عبد الله القيسراني محمدبن نصر بن صغير بن خالد الأديب، حامل لواء الشعر في عصره.تولى إدارة الساعات التي بدمشق مدة ثم سكن حلب. وكان عارفاً بالهيئة والنجوم والهندسة والحساب. مدح الملوك والكبار وعاش سبعين سنة. ومات بدمشق.
ومحمد بن يحيى العلامة أبو أسعد النيسابوري محيي الدين شيخ الشافعية وصاحب الغزالي وأبي المظفر أحمد بن محمد الخوافي. انتهت إليه رئاسة المذهب بخراسان، وقصده الفقهاء من البلاد، وصنف التصانيف ودرس بنظامية بلده. توفي في رمضان شهيداً على يد الغز قبحهم الله عن اثنتين وسبعين سنة.
ونصر بن أحمد بن مقاتل السوسي ثم الدمشقي. روى عن أبي القاسم بن أبي العلاء. وجماعة. وكان شيخاً مباركاً. توفي في ربيع الأول.
وهبة الله بن الحسين بن أبي شريك الحاسب. مات ببغداد في صفر. سمع من أبي الحسين بن النقور. وكان حشرياً مذموماً.
وأبو الحسين المقدسي الزاهد صاحب الأحوال والكرامات، دون الشيخ الضياء سيرته في جزء. وقبره بحلب يزار.

.سنة تسع وأربعين وخمس مئة:

فيها زاد تمكن المقتفي ولاسيما بموت السلطان مسعود، وعرض عسكره فكانوا ستة آلاف.فأنفق فيهم ثلاث مئة ألف دينار وجهزهم مع الوزير ابن هبيرة. وكان مسعود بلال والبقش قد حضا السلطان محمد شاه على قصد العراق، واستأذناه في التقدم فأذن لهما. فجمعا التركمان وجاؤوا. فسار لحربهم المقتفي ونازلهم أياماً. ثم عملوا المصاف في رجب. فانهزمت مسيرة المقتفي، فحمل بنفسه ورفع الطرحة وحذف السيف وصاح: يال مضر: كذب الشيطان وفر. فوقعت الهزيمة على التركمان وأخذ لهم فيما قيل أربع مئة ألف رأس غنم، وأسرت أولادهم. ثم مالوا على واسط، فسار ابن هبيرة بالعساكر وهزمهم، ورد منصوراً، فلقبه المقتفي: سلطان العراق ملك الجيوش.
وفيها جاءت الأخبار بأن السلطان محمد شاه على قصد بغداد.فاستعرض المقتفي جيشه فزادوا على اثني عشر ألف فارس. فمات البقش وضعف عزم محمد شاه. فخامر عليه جماعة أمراء ولجأوا إلى الخليفة، وجاءت الأخبار بما فيه السلطان سنجر من الذل: له اسم السلطنة، رواتبه من الغز راتب سائس، وأنه يبكي على نفسه.
وفيها في صفر أخذ نور الدين دمشق من مجير الدين أبق بن محمد بن بوري بن طغتكين على أن يعوضه بحمص. فلم يتم، وأعطاه بالس. فغضب وسار إلى بغداد وبنى بها داراً فاخرة وبقي بها مدة. وكانت الفرنج قد طمعوا في دمشق بحيث أن نوابهم استعرضوا من بدمشق من الرقيق فمن أحب المقام تركوه ومن أراد العود إلى وطنه أخذوه قهراً. وكان لهم على أهل دمشق القطيعة كل سنة فلطف الله. واستمال نور الدين أحداث دمشق، فلما جاء ونازلهم استنجد أبق بالفرنج. وسلم إليه الناس البلد من شرقيه، وحاصر أيق في القلعة. ثم نزل بعد أيام. وبعث المقتفي عهداً بالسلطنة لنور الدين وأمره بالمسير إلى مصر وكان مشغولاً بحرب الفرنج.
وفيها توفي الظاهر بالله أبو منصور إسماعيل بن الحافظ لدين الله عبد المجيد بن المستنصر بالله العبيدي الرافضي. بقي في الولاية خمسة أعوام، ووزر له ابن مصال، ثم ابن السلار، ثم عباس، ثم إن عباساً وابنه نصراً قتلا الظافر غيلةً في دارهما وجحداه في شعبان، وأجلس عباس في الدست الفائز عيسى بن الظافر صغيراً. وكان الظافر شاباً لعاباً منهمكاً في الملاهي والقصف. فدعاه نصر إليه وكان يحب نصراً. فجاءه متنكراً معه خويدم، فقتله وطمره. وكان من أحسن أهل زمانه، عاش اثنتين وعشرين سنة.
وأبو البركات عبد الله بن محمد بن فضل الفراوي صفي الدين النيسابوري. سمع من جده ومن جده لأمه طاهر الشحامي، ومحمد بن عبد الله الصرام، وطبقتهم. وكان رأساَ في معرفة الشروط. حدث بمسند أبي عوانة ومات من الجوع بنيسابور في فتنة الغز وله خمس وسبعن سنة.
وعبد الخالق بن زاهر بن طاهر، أبو منصور الشحامي الشروطي المستملي. سمع من جده وأبي بكر بن خلف وطبقتهما. وهلك في العقوبة والمطالبة في فتنة الغز وله أربع وسبعون سنة. وكان يملي ويستملي في الآخر.
وأبو سعيد محمد بن جامع النيسابوري الصوفي خياط الصوف. شيخ صالح صاحب أصول. سمع فاطمة بنت الدقاق وأبا بكر بن خلف.
وأبو العشائر محمد بن خليل بن فارس القيسي الدمشقي. سمع أبا القاسم المصيصي، وصحب الفقيه نصر المقدسي مدة.
وأبو الفتح الهروي محمد بن عبد الله بن أبي سعد الصوفي الملقب بالشيرازي. أحد الذين جاوزوا المئة. سمع بيبي الهرثمية وصحب شيخ الإسلام.
وأبو المعمر الأنصاري المبارك بن أحمد الأزجي الحافظ سمع أبا عبد الله النعالي فمن بعده. وله معجم في مجلد وكان سريع القراءة معنياً بالرواية.
والمظفر بن علي بن محمد بن محمد بن جهير الوزير بن الوزير، أبو نصر بن أبي القاسم. ولي وزارة المقتفي سبع سنين، وعزل سنة اثنتين وأربعين. توفي في ذي الحجة عن نيف وستين سنة.
ومؤيد الدولة ابن الصوفي الدمشقي وزير صاحب دمشق أبق. كان ظالماً عسوفاً، فسر الناس بموته، ودفن بداره بدمشق.
وأبو المحاسن البرمكي نصر بن المظفر الهمداني، ويعرف بالشخص العزيز. سمع أبا الحسين بن النقور، وعبد الوهاب بن منده. وتفرد في زمانه، وقصده الطلبة. ومنهم من قال: توفي سنة خمسين.